الترشيد والتقييم للإيراد العام والانفاق العام

كتب فلاح حسن الأميري

ترشيد الإنفاق العام وترشيد الإيرادات العامة، عندما نريد ان نعرف الرشد الاقتصادي في الإنفاق فهو حسن تصرف الحكومة في إنفاق الأموال، والرشد يضاده السفه، كما أنه يتنافى مع التبذير من جهة، والتقتير من جهة أخرى، بمعنى أن الزيادة أو النقص عن وضع الاعتدال هي عدم رشد أو سفه، كما يتضمن ترشيد الإنفاق إتباع مبدأ الأهميات النسبية والترتيب التفاضلي السليم، بحيث يقدم الأهم على المهم حسب الاولوية والظروف العامة ، ان استمرارية العجز في الموازنة العامة يقتضي اجراء اصلاحات عليها ضمن الية عمل ممكنة واهمها هي عملية اعداد موازنة تبنى على اساس البرامج والاداء الحقيقي وليست بنود وفقرات ثابتة، وهذا الامر يسترعي ترشيد الانفاق العام والتدقيق في هيكل الموازنة، وهذا الترشيد يحتاج الى دراية معرفية للاحتياجات العامة فتعمل الدول على اجراء مسوحات ميدانية على الدوام مع استطلاعات رأي للمواطنين والتقرب منهم، ومن الهيكل الاداري للدولة الذي يثقل كاهل الموازنة بأنفاق ضخم يبنى على اساس ( الموازنة السياسية ) ومع تراكم هذا العجز وتدويره في كل عام، نجد ان معظم القطاعات في الهيكل الاداري للدولة قد اخذت جزء كبير من الموازنة مع عدم استثمار هذه التخصيصات بشكل مستدام او فاعل قادر على تقديم خدمة عامة حقيقية تستوفي وتلبي احتياجات المواطن. أن تقييم اتجاهات الانفاق وتوزيع التخصيصات المالية الخاصة على المحافظات في الموازنة الاتحادية والاقضية في الموازنة المحلية ما هو الا انعكاس لما لمسه المواطنون جراء الموازنات وأثرها على القطاعات الحيوية ومدى استجابتها لحاجاتهم الضرورية، فبعد دراسة الواقع في تنفيذ الموازنة وتوزيع التخصيصات، وان المواطن المستفيد من الموازنة هو الملامس بشكل مباشر لعمل القطاعات نجد ان قطاع الدفاع والداخلية ( وهو من اعلى التخصيصات ) فقط اخذ مستوى عالي جدا، اما بقية القطاعات الصحية والخدمية والتعليمية والاسكان والتوظيف والنقل والاتصالات والزراعة والصناعة والكهرباء والتجارة فكان ضعيف، اما القطاع السياحي فكان بمستوى ضعيف جدا او معدوم اذا ما قورن ببقية القطاعات، قد يرى المسؤولون عن اعداد الموازنات ، ان الاولوية لقطاع الخدمات وتعتمد رؤيتهم تلك لأمرين انها قريبة من رؤية المواطن أي انه يلامسها بشكل مباشر ويستشعر تنفيذ الانفاق العام وهذا يعطي لهم سمعه جيدة ومن ناحية ثانية ان المشاريع الخدمية لها عوائد ربحية لشركات معينة وهو واقع بلا مجاملة حتى وان كان التحليل على حياد، او نستطيع القول ان ضيق الرؤية الاستراتيجية المستقبلية حدت من توزيع الثروات بشكل منتج.
ما يراه المواطن من احتياج وفق الواقع الحياتي لمنطقته الجغرافية السكنية او المؤسسة التي يعمل فيها هي الحقيقة التي يجب العمل عليها، وبها يمكن ان يكون الانفاق ذا مستوى عال من الترشيد وانه يلبي الاحتياجات، كما ان ترشيد الايراد في الاهمية كما هو في الانفاق العام من حيث الصيانة للاستثمارات واستدامتها لتعطي انتاجية اعلى مع الترشيق للترهل في الهيكل الاداري للدولة، فنرى الفارق بين الانفاق الجاري عن الانفاق الاستثماري في مشروع موازنة عام 2021 زاد بنسبة خمسة اضعاف تقريبا، وهذا يجعل المشاهد البسيط ان يرى الادارة للدولة استهلاكية وانها غير قادرة ان تتحول الى انتاجية ، نجد هنالك مبررات حول ازمات تراكمية في الادارة المالية وهو صحيح وله اسبابه لكن ليس من المنطقي الابقاء على هذا الواقع، مع التنبؤ بالعوامل المتغيرة في سوق النفط (بما اننا اقتصاد ريعي احادي يعتمد في ايراداته بشكل رئيسي على النفط )، ومع وجود الاضطرابات الشعبية الناتج من عدم الرضا على ادارة الدولة من قبل المواطن فلا بد من تصحيح المسار في توزيع الثروات ، المسألة المهمة التي يجب الالتفات لها من قبل الحكومات انه من اعطى احقية التصرف في الثروات ؟ والاجابة هنا عن انها حكومة نيابية منتخبة من قبل الشعب وهذه الاجابة قد فرغت من محتواها لعدم وجود صوت المواطن وحاجته الفعلية وما يرغب لإشباع حاجاته في اعداد الموازنة، مع عدم الكفاءة لمن ينوب عنهم، ان الثغرة بين المواطن والنائب اصبحت كبيرة، والفجوة بين الانفاق العام وتنفيذه اتسعت، وهذا الاتساع يكبر مع مصاحبة نسبة الفقر والبطالة ، أي ان الفجوة تتسع على حساب حياة المواطن وواقع معيشته لتذهب الى جهة اخرى…
ومن خلال بعض القوانين التي نعدها تمييز طبقي ( امتيازات، درجات خاصة، …) بكافة اشكالها خلقت لدينا طبقية مقيتة فأصبح لدينا مواطن درجة اولى واخر درجة ثانية واخر مواطن معدم او مسحوق، ومع استمرار العجز واستمرار سعة الفجوة من خلال هكذا سياسات اقتصادية ستنعكس بشكل اكبر عليه اجتماعيا حتى داخل الهيكل الاداري للدولة فضلا عن المواطنين خارجه، ومع غياب عنصري الشفافية والرقابة المجتمعية في ادارة الدولة بشكل عام واعداد الموازنات بشكل خاص وفي ظل نظام ديمقراطي فمن المؤكد لا يكون هنالك ترشيد في الانفاق والايراد العام ولا يمكن اطلاقا التقييم للإداء الحكومي من اصغر مؤسسة الى اكبرها، ومن المحتمل ان يجرنا الواقع الى ازمات اكبر اقتصادية منها او اجتماعية.
ان فلسفة الانفاق كما جاءت بها النظريات الاقتصادية حيث اعدت الانفاق ( الوسيلة ) لإشباع الحاجات العامة ويأخذنا ذلك المفهوم كونه وسيلة، على انه المبرر الاساسي لحصول الدولة على الايرادات العامة، اي ان الدولة لا يمكنها استحصال الايرادات العامة الا بعد تمويل الانفاق العام، وان لو لا الانفاق العام لا يوجد ما يبرر عمل واجراءات الدولة في التصرف في الثروات. فهل يا ترى تعي الدولة لما هو دورها الحقيقي؟ وهل نجد مخرج للازمة مع اعلان موازنة 2021؟

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى