تقرير بريطاني: البصرة ستكون غير صالحة للعيش في السنوات العشر المقبلة

يقول سكان بلدة نهران عمر، التي تقع بجوار عدة آبار نفطية في جنوب العراق، إن ألسنة اللهب المتصاعدة من الأبراج تنشر السموم في الهواء لتحول الأخضر إلى يابس.

ونقل تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية (INDEPENDENT) عن خبراء أن حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط يعد العامل الرئيسي لتلوث المناخ، ويشكل خطرا داهما على صحة الذين يعيشون في الجوار، مسببة الإصابة بالربو وأمراض الرئة والجلد والسرطان.

وذكر التقرير أن العراق يعد من أكثر الدول ممارسة لهذه العمليات في العالم، والبصرة -المحافظة التي تقع فيها بلدة نهران عمر- هي المنطقة الأكثر تضررا في البلاد. وقد ندد السكان بخطورة هذه الممارسة اليومية التي تقتل الأطفال وكبار السن والضعفاء.

ووفقا لرئيس بلدية نهران عمر، ارتفعت معدلات الإصابة بالسرطان على مدى العقد الماضي بنسبة 50%، بوجود 150 حالة ضمن 1600 ساكن.

ويقول محمد حسن (43 عاما)، إنه عندما أخذ ابنه ذا الـ14 عاما إلى الطبيب تبين إصابته بسرطان النخاع العظمي، وعندما رأى الطبيب انحناء عموده الفقري وبشرته الشاحبة، سأله أين يسكن، وعندما عرف أنه من نهر عمر، أدرك الطبيب خطورة وضعهم الصحي الناجم عن التلوث.

 

في جميع أنحاء البلاد، تضيء المداخن سماء الليل بينما تضخ الغازات الدفيئة مثل الميثان وكذلك ملوثات الهواء -بما في ذلك أكسيد النيتروس (أكسيد النيتروجين الثنائي) وثاني أكسيد الكبريت والسخام- التي من شأنها أن تسبب مشاكل صحية لا تحصى ولا تعد لكل من يتنفسها.

تفيد أحدث بيانات البنك الدولي بأن العراق يحرق ما يزيد على 17 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، ليحتل المرتبة الثانية بعد روسيا. وتعادل انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون الناجمة نحو 10% من إجمالي الانبعاثات العالمية.

ومع أن البلاد مرت بحروب خلال عقدين، فإن جاسم عبدالعزيز حمادي، الوكيل الفني لوزارة البيئة والصحة، يصنف تلوث الهواء كواحدة من أكبر الأزمات التي يواجهها العراق. حتى أن دراسة العبء العالمي للأمراض، وهي أكبر دراسة للصحة العامة في العالم، وجدت أن عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم بسبب تلوث الهواء يفوق عدد الوفيات المسجلة منذ الغزو الأميركي للعراق في عام 2003.

يصف المحلل في مجال الطاقة علي الصفار، من وكالة الطاقة الدولية، الوضع في العراق بالكارثي، ويقول بدلا من أن يلعب هذا الغاز دورا في تلبية احتياجات البلاد من  الكهرباء فإن العراق من بين الدول القليلة التي تحرق الغاز وتستورده في الوقت نفسه.

وأضاف الصفّار أن دراسات أكاديمية تشير إلى أن متوسط درجة حرارة العراق يرتفع بمقدار ضعفين إلى 7 أضعاف مقارنة بالمتوسط العالمي، وهو ما يهدد البلاد بتفاقم مشكلة الجفاف وندرة المياه.

وطالب السلطات العراقية بأن تكون على دراية بالتهديد الذي قد تواجهه البلاد وتدرك أهمية الاستفادة من الغاز بدلا من تبديده والإضرار بصحة الناس.

في شأن متصل، قال ويم زويغننبرغ، الباحث في منظمة السلام الهولندية (PAX) والمساهم في موقع الصحافة الاستقصائية “بيلنغكات”، إن البصرة (جنوبي العراق) وحدها تحرق غازا أكثر من السعودية والصين والهند وكندا، لأنها موطن حقل الرميلة النفطي -ثالث أكبر حقل نفط في العالم- محذرا من أن البصرة ستكون غير صالحة للعيش في السنوات العشر المقبلة.

 

 

 

لا يستطيعون التنفس

وذكر التقرير أن التلوث النفطي والغازي في العراق لا يقتصر على الجنوب، ففي مصفاة القيارة التابعة لمحافظة نينوى شمالي العراق يتحدث حارس في المصفاة يُدعى علي (31 عاما) عن شدة السعال الذي يعانيه، ويقول إنه لا يستطيع التنفس في الليل لكثرة الضباب الدخاني الأسود الذي يغشى المدينة بعد 4 سنوات من عمله.

على غرار العديد من المناطق في شمال العراق، تعاني الموصل من التلوث الناجم عن استمرار إحراق الغاز. وحسب زويغننبرغ، فإن أكبر زيادة في عدد منشآت حرق الغاز الجديدة تقع في شمال العراق، حيث تُظهر صور الأقمار الصناعية 6 مواقع على الأقل في جميع أنحاء حقل النفط بالقرب من القيارة، التي تقع على الضفة الغربية لنهر دجلة.

يقول غزوان مصطفى، المهندس في منشأة النفط المحلية، إن الغازات السامة في الهواء تسببت في مرض العديد من العمال. وهو نفسه من بين الناجين من مرض السرطان ويقول إن 20 آخرين ممن عملوا في المصفاة ماتوا منذ عام 2016.

وأضاف وهو يقف بجوار المصفاة، أنه بالأمس القريب لم يكن ممكنا لأي شخص الوقوف هنا بسبب الغاز، وأنهم وجدوا طيورا ميتة ملقاة على الأرض.

وفي مستشفى القيارة العام، يقول عدنان عبد الرازق، وهو عضو إدارة المستشفى، إن الأمراض الأكثر شيوعا في المستشفى هي مشاكل الجهاز التنفسي والصدر، مضيفا أن إمدادات المياه قد تأثرت بالسخام، وأحيانا ينسكب الماء أسود اللون من الصنابير.

وفي العاصمة بغداد، يعرب العديد من عمال المصافي عن خشيتهم من أن تكون حياتهم في خطر من التلوث.

ويقول أحد العاملين في مصفاة الدورة، هناك حالات مرض كثيرة بين العمال، لأن نظام الترشيح قديم جدا ومتداعٍ وغير مناسب للوقت الحاضر وكميات الإنتاج الكبيرة، مشيرا إلى أن جميع العمال خائفون ويحاولون العثور على وظائف أخرى.

غاز ضائع وحاجة للكهرباء

ولفت التقرير إلى أن المفارقة القاسية تكمن في أن الكثير من الناس يعانون من احتراق الغاز المصاحب لاستخراج النفط، بينما يعاني العراق من انقطاعات كبيرة للتيار الكهربائي، ويستورد الغاز من الخارج لتشغيل محطاته الكهربائية.

وأضاف أنه في عام 2009، قدرت شركة شل النفطية العملاقة الغاز الضائع بما يمكنه أن ينتج 3500 ميغاوات في اليوم، أي ما يقرب من 70% من إنتاج العراق اليومي من الكهرباء.

في مواجهة ذلك، وعدت السلطات العراقية بوقف جميع عمليات إحراق الغاز المصاحب بحلول عام 2022 بحيث يتم استغلاله كمشغل لمحطات توليد الكهرباء، غير أن مسؤولي وزارة البيئة في البصرة يعترفون بأن الموعد تم تأجيله إلى عام 2025.

في عام 2018، افتتحت السلطات محطة جديدة لإعادة استغلال حوالي 10 مليارات متر مكعب سنويا من الغاز المصاحب من 4 من أصل 15 حقلا نفطيا في البصرة، مضيفة أنها تعمل حاليا على مضاعفة هذه القدرة.

وأشار المتحدث باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد إلى أنهم في المراحل النهائية من المفاوضات بشأن العديد من المحطات الأخرى مع شركات الطاقة الصينية والأميركية التي يمكنها إعادة استغلال ما بين 3 مليارات و6 مليارات متر مكعب من الغاز المصاحب سنويا من حقل رتاوي النفطي.

ويدّعي جهاد أنه “من الخطأ” ربط جميع حالات السرطان القريبة من حقول النفط بالغاز المصاحب، مشيرا إلى ضرورة إجراء مزيد من الدراسات العلمية لمعرفة الأسباب، موضحا أن هناك عوامل أخرى، مثل تأثير الحروب على العراق منذ 1980 واليورانيوم والأسلحة الكيماوية التي تم استخدامها.

في بغداد، يعترف الوكيل الفني لوزارة الصحة والبيئة جاسم عبدالعزيز حمادي، بأنها كانت معركة شاقة فلم يكن هناك تعاون بين وزارته ووزارة النفط في البداية، ولكن على مدى الأعوام الخمسة الماضية، عملت وزارته بشكل وثيق مع

وأضاف أن الوباء المنتشر في العراق ساعد في تغيير وجهات النظر، ويأمل أن يؤدي ذلك إلى الاستثمار في الصحة العامة وحماية البيئة.

وأوضح حمادي أن وزارته تركز على الأمن المائي والأمن الغذائي وتدهور الأراضي والتصحر وزيادة حالات العواصف الرملية.

ويشارك دعاة حماية البيئة وزارة الصحة المخاوف ذاتها، فتقول إسراء فلاح، من جمعية حماة نهر دجلة، إن “كل شيء ساء منذ عام 2018″، محذرة من نزوح جماعي عن المناطق الملوثة.

المصدر : إندبندنت

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى